مجرد رأي: ظلم النهايات ومصير عبشكور

ربما فجّرت قضية المهندس أشرف عبدالجواد، رئيس شركة بدرالدين للبترول، سؤالاً داخل عموم الناس في قطاع البترول، وهو: لماذا لم تُراعِ الوزارة الرأفة فيما حدث؟ ورغم أن القضية ذاتها التي فجّرت السؤال، فقد أجابت عن واقع موجود، سطرته فيما سبق في مقال بعنوان: لماذا يفرح القيادات بخروجهم للمعاش؟ وخاصةً عندما يقترب الموعد، فكلٌّ منهم لديه تاريخ ويخاف على هذا التاريخ من ظلم النهايات وعدم إنصاف البدايات.
أعلم أن الوزارة والهيئة قد يكون لديهما المبرر فيما حدث، فالقرارات التي يحيطها السرّية والكتمان غالباً ما يكون وراءها شيءٌ ما لا أحد يعلمه، فقط من اتخذ القرار هو من يعلمه. قد نراه نحن ظلماً وعدواناً، بينما هم لديهم ألف سبب وسبب. وكثيراً ما كتبنا عن أشخاصٍ كنا نظن أنهم ظُلموا، وسرعان ما تتضح الحقائق فنرى أننا قد ظلمنا صاحب القرار عندما اتخذه في وقته.
هذا الكلام لا يُعتبر إدانةً بأي حال من الأحوال للمهندس أشرف عبدالجواد ولا لغيره، فجميعهم قيادات عملوا في القطاع وبذلوا ما لديهم من جهدٍ جهيد، ولهم تاريخ أيضاً يُحكى عنهم. ومن أحسن ترى إحسانه في عيون الناس في حفلات التكريم أو دوام الودّ، لكن ما أكتبه هو قراءة لواقع أعيشه داخل القطاع، قد يراه البعض واقعاً مريراً، بينما يراه آخرون واقعاً حقيقياً ومعبّراً عن الحالة التي يعيشها القيادات.
ثَمّة أمرٌ آخر، وهو أن جميع القيادات أو جلّهم، عندما يحدث لهم مثل هذا الحادث يلتزمون الصمت، مرةً من باب الخوف والتوجّس على ذويهم وأبنائهم داخل القطاع، خوفاً من التربّص بهم بعد خروجهم، حتى لو كانوا مظاليم، ومرةً أخرى من باب العادات والتقاليد التي تحكم القطاع. والسبب الأخير أراه سبباً واهياً، فمن لديه الشجاعة يتحدث ويصرخ ويقول: أنا ظُلمت.
في الغالب يتوارى القيادات، وبعضهم حتى يرفض ما تخطه بعض الأقلام دفاعاً عنهم. وقد توقفت أنا شخصياً عن ذلك، بعد أن رأيت أنني قد أكون ملكياً أكثر من الملك ذاته، واتخذت قراراً بأن من يريد الدفاع عنه فأهلاً وسهلاً به، ومن لا يريد فليس من مهمتي الدفاع عن أشخاصٍ يخافون حتى ممن يساندهم (أكرّر: ليس المقصود أشرف عبدالجواد، المقصود جميع من يحدث لهم ما حدث).
لكن من باب المهنية والعِشرة، والألم الذي يعتصرنا عندما نرى مثل هذه القرارات — رؤيةً ظاهرية — فإننا نطالب الوزارة بأن يكون لديها منهجٌ آخر في عقاب ومعاقبة القيادات، بدلاً من قرارات النهايات المؤلمة. فمثلاً، حالة مثل حالة رئيس بدرالدين السابق، وقد تبقّى على خروجه للمعاش أيامٌ قليلة، كان من الممكن أن يظل كما هو، وتُعيّن الوزارة رئيساً آخر، وتكون هذه الفترة فترة تسليم وتسلم، بحيث يتم تطبيق قانون الريبة، فلا يتخذ قراراً حيوياً، ولا يمنح ولا يمنع، ولا يرقّي ولا يخسف، ولا يفعل ولا يقول. وهذا من باب حفظ ماء الوجه والتاريخ والسمعة، وقبل هذا كله محو الرسالة السلبية التي تصل للقيادات بأن كل واحدٍ منهم موضوعٌ تحت المقصلة، ومن الممكن أن يحدث له ما حدث لعبدالشكور، على رأي فيلم (البحث عن فضيحة) الذي قامت ببطولته ميرفت أمين وسمير صبري وعادل إمام، عندما كان ينصح سمير صبري عادل إمام كلما أراد الاقتراب من فتاة أو سيدة متزوجة، فكان يقصّ عليه قصة خيالية فيخاف أن يقترب من أي أنثى خوفاً من أن يحدث له ما حدث لعبشكور.
نعم، هناك رسالة سلبية تصل كل يوم للقيادات بسبب قرارات إبعاد القيادات، أياً كان جرمهم، طالما أنه بعيد عن الذمة المالية والانتماءات السياسية.
ما أودّ قوله: هناك ألف طريقةٍ تعاقب بها الوزارة القيادات، ولا أحبّذ أن يكون من بينها قرارات ظلم النهايات. فأول سلبياتها أنها تجعل كل رئيس شركةٍ أو قائدٍ يجلس على كرسيه خائفاً متوجساً، وهذا يؤثر على وتيرة العمل والإنتاج ويؤدي الى ضعف الإنتماء، والسلام.