الجمعة 29 نوفمبر 2024 الموافق 27 جمادى الأولى 1446

"العك" فى الوقت الضائع

4406
عثمان علام
عثمان علام

الآن فقط أشعر أنني العب فى الوقت الضائع ، مثل لاعبو كرة القدم الذين يحرزون الأهداف ثم سرعان ما تنطفىء عنهم الأضواء ويذهبون لبعيد ، لكن هذا البعيد قد يكون أفضل كثيراً من تلك الأضواء التي تحرق صاحبها أحياناً ، وتجلب له المتاعب أحياناً أخرى ، قد يكون هذا الشعور بعيد عن من سبقوني قبل عشرة أو عشرين سنة .

الآن أبدأ عِقداً جديداً من العمر ، من اليوم "وإذا كان فى العمر بقية"، اتخطى الاربعون او الخمسون ، لا يهم كم عدد السنين ، ما يهم عدم النظر للخلف ، فقد كان منه ما هو مؤلم ، والذاكرة قد تختزله ، ومنه ما هو سعيد وتحتفظ الذاكرة به ، لكن طالما أن الله لايزال ينعم عليَّ بستره فهذا أفضل ما يكون .

إن أجمل ما يثيده الله إليك هو حب من حولك ، نعم قد يكون حباً لمصلحة أو لمناسبة أو لمجرد كلمة تفوهت بها في حق أحد صدقاً ، أنا اؤمن بأنه ليس هناك من يحبك حباً خالصاً ، حتى أولادك ، فالذين كانوا يحبونك دون مقابل قد رحلوا وغطى التراب أجسادهم ، وهذا طبيعي ولا يغضبني ، أنا اتعامل مع البشر على أنهم بشر وليسوا ملائكة ، أؤمن بأن كل شيء مرهون بشيء ، هذا يريحني، يجعلني لا أغضب ولا أزعل عندما يمقتني أحد او حتى يكرهني او يتخذ موقفاً ، كل بنو آدم يعتريهم التغيير ، وهذه سنة الله فى كونه .

إنني لا أطلب من أحد أن يقدم لي شيئًا لا يقدر عليه ، ولا أن يجاهد نفسه من أجلي ، حتماً لديه أشياء أهم بكثير مني تحتاج لجهاد النفس والعقل ، لكنِ ممتن لكل من أتعب نفسه وكتب كلمة أو اتصل ليقول لي "كل سنة وأنت طيب "، أو حتى من رأى صورتي ونظر اليها بعض الوقت بفرحة أو حتى تعجب ، كل هؤلاء أنا ممتن لهم .

أما مرحلة الوقت الضائع ، فهذه هي المرحلة التالية لمرحلة منتصف العمر ، مرحلة ليس فيها إعجاب شديد ولا حب ملتهب ولا إنجذاب فائق ، مرحلة ربما تجعل زوجتي تهدأ وتطمئن بأنني لست كالسابق الذي يلهث خلف الجميلات ، ولا أنا الشخص الذي يلفت نظر البنات ، ولا حتى الشخص الذي يثير إعجاب السيدات ، كلهن يتعاملن معي إما أباً أو اخأ او زميل أو صديق أو رجل بركة ، فلم يعد لديَّ ما اثديه لهن ، ولم اعد مطمعاً لأحد ، ( ولو واحده جريت ورايا تبقى عملالي عمل ومحدش يفكه ) ، المهم ما تبقى من نفسي هو لنفسي أولاً ثم لبيتي وأسرتي ، وقد قدمت نفسي على بيتي وأسرتي "على غير العادة"، لأن من يحطم نفسه من أجل الأخرين مهما كانت درجة قربهم ، فلن يقدم شيء لغيره .

وبعد كل ما سبق ، فالحقيقة أنني لستُ ممتناً للزمن فى شيء ،حقيقي الزمن منحني شيء وسلبني أشياء ، زي كل ما بتقدم فى السن بلاقي الإحترام والهيبة ، لكن فيه كمان التجاعيد والتغيرات التي توحي بلفحات الكِبر  والشيخوخة ، عشان كده بكره حفلات عيد الميلاد ، وشايفها شيء من العبث ، ازاي نفرح بسقوط عام من العمر ، عام لا يعوض، ومعنديش تفسير ليه الناس بتبقى فرحانه في عيد ميلادها ، يمكن عشان هو دا اليوم اللي فيه اللي بيهتم بيهم ، ويمكن عشان الهدايا.

ومع الوقت يتناقص العمر عام بعد عام ، وأنت فى العشرين لا تشعر بشيء ، عاوز تكبر وتحقق أحلامك وأمانيك وتوصل للتلاتين ، بعد نص التلاتين تبدأ تشعر بالمأساة الحقيقية ، أنك معندكش شقة ولا عربية ولا زوجة ، ولو اتجوزت فانت فى عالم تاني ، وغالباً الحكمة بتبقى غايبة فى السن ده ، وضحايا القوة كتير  .

ومع الخمسين ، تطلعلك شوية اهتمامات تنسف الماضي ، وتحاول أنك تبدأ من جديد ، لكن أشد حاجة بتواجهها فى الفترة دي متلقيش العالم المثالي اللي كنت بتحلم بيه ، وتبدأ تواجه مصاعب مع أقرب الناس ليك .

مثلاً: تحاول تقنع ولادك بحاجات اتعلمتها من تجربة الزمن ومفيش حد بيسمع ، تحاول تنقل تجاربك للأخرين بس هما فى وادِ تاني ، محدش هيقتنع بكلامك ولا بخبرتك إلا اللي هما في نفس سنك ، وغالباً دول مش محتاجين لنصائحك ولا كلامك ولا توجيهاتك ، الزمن تكفل بهم .

تبدأ بقى تعيش في عالم الاجبار، الخبرة والزمن يجبروك على عدم الحديث فى حاجات هتضرك ، تجبرك على عدم رفع صوتك فى البيت، تجبرك على الأستغناء عن حاجات بتحبها ، الظروف كفيلة انها تخرسك وتقضي على كل اللي بتحبه ، يعني مش كل وقت صالح للخروج ، ممكن تجيلك نزلة برد أو ضربة شمس ، وإذا فكرت فى الأكل فلازم تعمل ألف حساب للمعدة والقولون والسكر والاملاح وعثر الهضم والتردد على الحمام بالليل .

اكيد لكل سن حلاوته، لكن ليه منغصاته ، واللي يراقب حياته من البداية يلاقيها متساوية ، وأنت صغير كان يرضيك أي شيء ، كنت تأكل اي حاجة من غير خوف ، كنت تعمل اي حاجة بدون حساب ، ومع ذلك الحياة كانت ضيقة، ولما تكبر والدنيا تديك ، تيجي بعتالك شوية محظورات وتحذيرات ، يعني يبقى عندك عربية بس مش قادر تجري بيها ، عندك فلوس بس معندكش لذة زمان انك تشتري حاجة وتتمتع بيها ، المجتمع كله بيفتحلك دراعاته بس انت فقدت يا اما الرغبة أو القدرة .

المهم المحاذير هتفضل شغال معاك فى كل مراحل حياتك ، تختلف من سن لأخر ، و من رقيب لأخر ، الأهم أن حياتك ماشيه في خط واحد ، لا يمكن تتجاوزه سواءً كنت صغير أو كبير ، عشان كده مفيش مانع أن أصدقاءك يفكروك بتقدم سنك ، وانهم كمان يدوك الأمل بأنك مازلت شاب ومرغوب فيك ، لازم حد يمنيك بروح الشباب .
وهو دا اللي بيعمله كل الأصدقاء في أعياد الميلاد معايا ومع غيري …وكل عام وأنتم بخير ، وألف شكر لكم جميعاً .




تم نسخ الرابط