سيد الأبنودي يكتب: رسالة إلى وزير البترول…عدل يبحث عن موطئ قدم
سيدي الوزير.. في يومٍ ليس ببعيد، جاء قراركم بتكليف مجموعة من خريجي برنامج القيادات الشابة والمتوسطة في قطاع البترول للقيام بدور معاوني رئيس وقيادات الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية.
قرار ظاهره التأهيل والتطوير، وباطنه فيما يبدو ابتعاد عن عمق الرؤية، وتجاهل لصوت الخبرة المدفونة في طيات هذا القطاع الصلب، الصادق، الذي تربّى رجاله ونساؤه بين صخور المناجم وأعماق الجبال، ينهلون من العلم والخبرة أكثر مما ينهل غيرهم من الدهاليز المكتبية.
لا ننتقص من قيمة هذه القيادات الشابة، فهم شباب نهلوا من علوم الإدارة والتطوير ما يجعلهم جديرين بقيادة مواقع عديدة بين أروقة قطاع البترول ولكن ليس في قطاع الثروة المعدنية، فهذا القطاع ليس حقلاً للتجارب الإدارية العابرة، ولا ميداناً لتطبيق الرؤى المنقولة من بيئة مختلفة.
إن لكل قطاع طبيعته، ولكل معدن بريقه، والعارفون بفنون التعدين وأسراره هم أولى بخوض غمار التحدي، فهم أبناؤه الذين رووا جذوره بالعلم والعرق، فاكتسبوا من رَحِم الأرض صلابةً ومن صخورها حكمة.
لذا نوجه إليكم، معالي الوزير، رسالة تصدح بنداء العدل: إن هذا القرار يحمل ظلماً واضحاً لكوادر هيئة الثروة المعدنية، أولئك الذين كدّوا وبذلوا الجهد لسنوات، وانتظروا إشراقة عهد جديد منذ توليكم مهام منصبكم في يوليو الماضي، أملاً في أن يُحكم ميزان الحق وتُفتح لهم أبواب الإنصاف، ولكنهم، ويا للأسف، وجدوا أنفسهم على هامش القرار، وكأن رفعة مساراتهم المهنية ليست سوى صيحة في وادٍ منسي.
إنكم، يا معالي الوزير، لم تبخلوا بالرعاية والاهتمام على العنصر البشري في قطاع البترول، ولقد رأينا حرصكم على تطوير قياداته الشابة هناك، ولكن، أنّى لقطاع التعدين ألا يحظى بنصيبه من هذه العناية؟! إن في هيئة الثروة المعدنية صفوفاً من الخبراء والأكاديميين والفنيين الذين مرّسوا عقولهم وأيديهم على صياغة دروب التقدم في عالم الاستخراج والتنقيب؛ فمتى تنصفونهم وتضعون قدراتهم حيث تستحق؟
نقولها صراحة: من يعاونكم في هذا الملف الهام قد لا يعي دقائق عالم التعدين، ولا يدري حدوده ولا نقاط قوّته وضعفه، إننا نناشدكم بإعادة النظر في تلك التكليفات، قبل أن يترتب عليها خسائر استثمارية ضخمة، وقبل أن تتسلل خيبة الأمل إلى نفوس أولئك الذين أفنوا أعمارهم بين معامل التحاليل الجيولوجية ومواقع التنقيب القاسية.
منذ أكثر من تسعة عشر عاماً ونحن نتابع أخبار هذا القطاع، وندرس شؤونه، ونوثق حقائقه، ونمد جسور المعرفة به، وواجب الأمانة والمسؤولية يُحتم علينا أن نصدقكم القول: إن هذا القرار غير صائب، وإن في أروقة الهيئة كوادر فنية وعلمية وإدارية رفيعة المستوى، ربما لم تُتح لكم الفرصة لمعرفتهم عن قُرب، ولعل صوراً مشوشة قد قُدمت لكم عنهم، توحي بأن الثروة المعدنية خالية من الصف الثاني والثالث من القيادات الصالحة.
إننا ندعوكم، معالي الوزير، إلى لقاء بعيد عن أضواء الوزارة وبعيداً عن صيحات المجاملين، لتجتمعوا بقيادات الصف الثاني والثالث في هيئة الثروة المعدنية، فتستمعوا إليهم وجهاً لوجه، دون تدخلٍ أو تأثيرٍ من قوى ناعمة خفية، سترون بأعينكم حينها رجالاً ونساءً صقلتهم الأيام والتجارب، مستعدين لقيادة قاطرة التنمية في مجال التعدين بكل ثقة واقتدار.
كما ستدركون أن ومضة العدل لا تزال تبحث عن موطئ قدم بين صخور الثروة، آملةً في أن تتجلى بقرارٍ منصف يرتقي بالقطاع كله إلى رحاب التقدّم والازدهار.