الثلاثاء 04 مارس 2025 الموافق 04 رمضان 1446

النفخة الكدابة والغرور وزكي نجيب محمود

882
زكي نجيب محمود
زكي نجيب محمود

إلى مبنى صحيفة الأهرام- وسط القاهرة - جاء شاب ثلاثيني - يرتدى بدلة سوداء ويحمل شنطة ( سامسونيت) وكوفية حمراء وفى يده نظارة شمس - مع إننا كنا في فصل الشتاء والشمس خلف الغمام طيلة النهار - واقترب من مكتب الاستعلامات يطلب اللقاء مع الكاتب والفيلسوف د. زكى نجيب محمود.
-- سأله الموظف:" فيه ميعاد"؟
-- لا
-- الدكتور يعرفك؟
-- لا
-- هل أنت تلميذه؟
-- لا
ثم قال:" هو أنت متعرفش أنا مين"؟
-- الحقيقة محصلش لنا الشرف.
فرد:" طيب اطلب الدكتور بس وقوله إنى عايز أقابله لأمر هام". وبعد شد وجذب بين الاثنين تدخل مدير العلاقات العامة وطلب الدكتور زكى نجيب محمود ( بعدما حكى له الموظف عن أسلوب الضيف وحديثه المستفز ) فقال له:
"خليه يطلع أنا في انتظاره" 
                    •••
وبالفعل صعد الضيف وقدم نفسه للدكتور قائلاً:
" أنا اسمى أنور سالم على" 
-- خير 
-- أبداً يا دكتور أنا عندي مشكلة مع الناس.. والحياة.. والمجتمع".. وحضرتك فيلسوف، وحكيم، ومفكر وأريد أن أعرف حل لهذه المشكلة" 
-- سأله:" وما هذه المشكلة؟
رد:" يقولون عنى إنني ( مغرور) ولذلك جئت حتى أعرف من حضرتك منْ هو ( المغرور )؟
                      •••
طلب الدكتور له فنجان قهوة وبدأ يتأمل ملامحه والملابس التي يرتديها ( وهى بالفعل تدل على أنه مغرور) وقال له:
" الأمر بسيط...هناك فرق بين ( النفخة الكدابة) وبين (النفخة الصادقة)" ثم سرد له قصصًا عن بعض الشخصيات العالمية والمصرية التي كانت من المزهوّين بأنفسهم ويصدقهم الناس ولا يرونهم من أصحاب النفخة الكدابة ( مثل طه حسين ولطفى السيد)
وفيما "كان البعض يصف نيتشه وبرنارد شو (بالنفخة الكاذبة) وكان البعض - في عالمنا العربي يصف العقاد وزكى مبارك - (بالنفخة الكاذبة)" أيضاَ.
وعندما كان البعض يصف عباس محمود العقاد (بالغرور) يرد قائلاً:
" إنه لا يكون غرورًا إلا إذا كان غير مرتكز على الحق".. والعقاد – في قوله هذا - عنده حق".
فقال السائل:" وكيف يعرف الإنسان نفسه إذا كان ( على حق) أم (مغرور وصاحب نفخة كدابة)؟
                     •••
رد:" الموضوع ببساطة هو أن ( المغرور ) صاحب (النفخة الكدابة) الذى يدعى ما ليس فيه ( نظر الشاب إلى نفسه) ثم أكمل الدكتور زكى نجيب محمود:
"ويدعي العلم وهو ليس بعالم".
( نظر الشاب مرة ثانية لنفسه) ثم قال الدكتور قوله:
"ويدعى الأدب وهو في حياته لم يكتب أدبًا ولم يقرأ أدبًا.. ويدعى الشعر وما هو بشاعر.. ويدعى الموهبة وما هو بموهوب.. ويدعى الفن وما هو بفنان"، ثم ختم قوله: "وهذا هو المغرور صاحب النفخة الكدابة".
نظر الشاب في ساعته واستأذن في الانصراف بكل هدوء.
وقبل أن يخرج ويغلق الباب سأله الدكتور زكي نجيب محمود: "هل عرفت الآن من هو المنفوخ على الفاضي؟"
رد: "عرفته يا دكتور" ثم غادر إلى غير رجعة.
                  •••
وبالقياس الذي قاس به الدكتور زكى نجيب محمود نكون اليوم أمام العشرات - بل قل المئات - الذين ليسوا بعلماء ولا بكتاب ولا بصحفيين ولا بإعلاميين ولا أي شيء غير إنهم من نوعية الشاب الذي جاء لمقابلة الدكتور زكى نجيب محمود.. يرتدي بدلة سموكن وكوفية حمراء ونظارة سوداء...وكل مؤهلاته، وكل إمكانياته، وكل مواهبه الحقيقة ما هي إلا " نفخة كدابة"...
خيري حسن
------------------
من كتاب: قيم من التراث - د. زكى نجيب محمود - مكتبة الأسرة - 1999 - الهيئة المصرية العامة للكتاب.
 




تم نسخ الرابط