الثلاثاء 16 سبتمبر 2025 الموافق 24 ربيع الأول 1447

أحمد البري يكتب: موسم الترقيات…أفراح وأحزان

684
المستقبل اليوم

 

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ … بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
(من أشعار أبو الطيب المتنبي)

عادة ما يحمل لنا الشهر الحالي (سبتمبر) بُشرى ظهور حركة ترقيات الإدارة العليا للعاملين بالقطاع، تلك المناسبة التي “يفترض” أن تمثل موسم الحصاد وجني الثمار للعاملين ذوي الكفاءة، فيفرح هؤلاء بما زرعوا، ويحزن البعض ممن لم تصبهم الترشيحات، ملقين باللوم على أنفسهم “أحياناً” أو على واقع لم يسعفهم بالقدرة على تغييره. ولكن هذه الصورة قد تكون نموذجية بعض الشيء، والواقع قد يفرز صوراً مغايرة لتلك الصورة الوردية.

ولكيلا نقع في خطأ التعميم، فإن غياب العدالة في الترقي غالباً ما يحدث في تلك الشركات التي لا تعطي آذاناً صاغية لسماع شكوى العاملين لديها ولا تطبق المعايير الكافية لاستقطاب الأكفاء منهم، فتجد الأهواء والميول وأمور أخرى هي التي تحكم وتتحكم في عملية انتقاء مدراء اليوم وقادة المستقبل. وهنا لا يمكننا التفرقة بين من ينال الترقية ومن لا ينالها على أساس أن هذا على قدر عالٍ من الكفاءة والآخر محدود القدرات، لكن الوصف الأدق في حالة تلك الشركات أن هذا محظوظ والآخر متعوس. وألفاظ مثل الحظ والصدفة والمحسوبية وما شابهها ينبغي ألا يكون لها محل من الإعراب في الشركات الناجحة.

قد يظن البعض أن العبارات السابقة ما هي إلا كلام مرسل عديم الصلة بالواقع، وحجتهم في ذلك أن هناك معايير صارمة تحكم عملية الترقي، وأنه في حالة التعدي على تلك المعايير من قبل الإدارة، يحق للعامل التقدم بشكوى رسمية يوضح من خلالها الظلم والتعنت الوظيفي الذي تعرض له.

عند تلك النقطة نحاول سوياً إلقاء مزيد من الضوء على المعايير الأساسية المنظمة لعملية ترقي العاملين، وهل هذه المعايير كافية وتفي بالغرض الذي وُضعت من أجله أم إنها في حاجة إلى إعادة النظر؟

1- انقضاء مدة الخبرة اللازمة لشغل الوظيفة (معيار الأقدمية):

هذا المعيار – ولا أقصد السخرية – قد يصلح للحكم على مدى جودة بعض أنواع المأكولات والمشروبات التي وإن حُفظت في بيئة معينة لفترة طويلة صار مذاقها أفضل، ولكنه بالضرورة لا يصلح للحكم على مدى كفاءة العنصر البشري. فما هي الميزة التي تضيفها خبرة سنوات العمل لشخص محدود القدرات الوظيفية؟ وحتى هذا المعيار قد ظهر مؤخراً بعض التراخي في تطبيقه رغبة من أولي الأمر في فتح باب الترقي أمام الموظفين حديثي الخبرة، وفُرض على الشركات تقديم ما يعرف بـ “مبررات التخطي”. ونتاجاً لأزمة الضمير العام التي خلقناها وندفع ثمنها بشكل يومي، تحولت تلك الميزة – تصعيد حديثي الخبرة من الموظفين – إلى ثغرة استفاد بها بعض المدراء ضعاف النفوس في الزج بمن يبتغون، غاضّين الطرف عن مدى صلاحية هذا الشخص لتولي المنصب المرتقب، ومستكتبين لمبررات تخطٍ واهية لا يسع للموظف المغلوب على أمره تفنيد تلك الادعاءات، هذا إن سنحت له فرصة الاطلاع عليها من الأساس.

2- استيفاء تقارير الكفاية السنوية وفقاً للاشتراطات المحددة:

ومن باب العلم، فإن هذه التقارير والتي تعرف باسم تقارير تقييم الأداء بصورتها الحالية المتبعة في أغلب الشركات الحكومية، قد عفا عليها الزمن. تلك التقارير التي تتسم بأنها نموذج مكرر من عام إلى آخر، لا يراعي تغيير الاستراتيجية أو الأهداف التنظيمية للشركات. تقارير سرية لا يحق للعامل الاطلاع عليها إلا بعد اعتماد السلطة المختصة! يملأ التقييم شخص واحد لا رقيب عليه سوى ضميره الذي يحتمل التأويل.

والمطلع على أدبيات الإدارة العلمية الحديثة يعلم جيداً أن مبحث تقييم أداء الموارد البشرية يمثل حالياً أحد أهم العلوم الفرعية لعلم إدارة الموارد البشرية، على اعتبار أن تنمية وتأهيل وتقويم أداء العنصر البشري من الركائز الأساسية لتحقيق الاستفادة القصوى من هذا المورد. ونتيجة لذلك فقد ظهر ما يعرف بـ KPIs أو مؤشرات الأداء الرئيسية، وهي مؤشرات حيوية ومحددة وقابلة للقياس. وقد تتعدد جهات التقييم للعامل وفقاً لطبيعة المنظمة، بل ويصل الأمر في بعض الأحيان أن يقوم العامل بتقييم أدائه بصورة ذاتية ويؤيد هذا التقييم أو ينفيه رئيسه المباشر وزملاؤه في العمل والإدارات المعنية وعملاء المنظمة إن وجدوا.

3- رؤية أو اختيار المدير:

وهنا الأمر أشبه بمن يدور في حلقة مفرغة، فإذا كانت المنظومة الإدارية في بعض الشركات يشوبها العطب، وكانت هناك احتمالية – كبيرة أو صغيرة – لوصول أصحاب الحظ إلى سدّة المناصب التنفيذية متخطين أصحاب الكفاءة والمعرفة؛ عن أي رؤية تتحدثون!!

ولعل هذا المعيار “رؤية المدير” من الأسباب الرئيسية التي دفعتني لكتابة هذا المقال، ذلك لأن هذا المدير هو ربان سفينة مرؤوسيه، وهو الذي يوجه ويحفز ويقود فريق العمل، إلى جانب الدور الأخلاقي والإداري في تحقيق الإنصاف والعدالة فيمن يتولى أمرهم. كما أن الأمم والاقتصاد والشركات تتقدم أو تتخلف بسبب الدور المحوري للقائمين على الإدارة سواء صغر شأنهم أم كبر.

تحدثنا فيما سبق عن المعايير “الرئيسية” اللازمة لشغل وظائف الإدارة العليا. هنا ننتقل إلى الجزئية التالية: ماذا عن الموظف المتعوس الذي يظن أو يعتقد أن تلك المعايير لم تنصفه وأنه قد تعرض للظلم الوظيفي بتنحيته من قائمة ترقيات الإدارة العليا؟

هنا يفيدك مسؤول الموارد البشرية أنه يمكنك الرجوع إلى رئيسك المباشر للوقوف على أسباب عدم ترقيتك، وإن لم يفلح معه ذلك الأمر يمكنك التقدم بشكوى رسمية إلى الجهات المختصة، آملاً أن تجد الإنصاف لدى تلك الجهات.

في الحالة الأولى قد يجيبك رئيسك المباشر برد أشبه بالرسائل المسجلة التي تسمعها عند اتصالك بأرقام خدمة العملاء، وهو أن كل موظف يعتقد في نفسه أنه الأفضل بين جميع زملائه. يعقب ذلك الرد الدخول في نقاش تختلف نتيجته وفقاً لقوة دفوع الموظف الذي يظن أنه قد تعرض للظلم، هذا إلى جانب ضمير ومقدرة السيد المدير على الاستماع وتفنيد تلك الدفوع.

أما في حالة “الشكوى الرسمية”، فهي حالة تستحق إلقاء الضوء عليها لكونها تمثل مشكلة حقيقية للشركات التي تعاني من “غياب المعايير السليمة في تصعيد الكفاءات”، ومشكلة أخرى للأفراد العاملين بتلك الشركات.

يفترض في الشركات الناجحة التي تتمتع بحسن الإدارة والحكمة في اتخاذ القرار أن تكون حكماً عادلاً، تستمع إلى جميع الأطراف دون محاباة أو انحياز لطرف على حساب الآخر. لكن في الشركات المناقضة للفئة السابقة، تجد الإدارة تتعامل مع الشاكي وكأنها خصماً له، ويهرع مسؤولو الموارد البشرية إلى “تستيف” الأوراق الداعمة لموقف الشركة في عدم ترقيته، وذلك بغض النظر عن مدى استحقاق أو عدم استحقاق تلك الترقية.

والحل… كلمة “الحل” في صيغتها المفردة تخالف المنهج العلمي في مجال الإدارة، لكن الأدق هو صيغة الجمع “الحلول”. ذلك أن تنوع الرؤى و”الحلول” سوف يدعم حل ذلك النوع من الأزمات الذي تواجهه العديد من الشركات مع اقتراب موعد ترشيحات الإدارة العليا. وينبغي أن تنصب كل تلك الحلول في مجرى عملية تطوير إداري شامل على مستوى القطاع. وينبغي أيضاً أن يبدأ الحل بعملية “محاكاة” أو تقليد للنظم الإدارية الحديثة المطبقة في الشركات الناجحة. وخلال الجزء التالي والأخير من هذا المقال، سوف نطرح البدائل الحديثة للمعايير السابقة والتي يتم الاستفادة منها على نطاق واسع في عملية تطوير وإعداد الموارد البشرية لتولي المناصب القيادية.

إلى أن نلتقي…




تم نسخ الرابط