الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447

وائل عطية يكتب: حين تتحدث الأرض: هل تدفع المنطقة ثمن المغامرة الجيولوجية في القرن الأفريقي؟

607
مهندس وائل عطيه
مهندس وائل عطيه

لم يكن انفجار بركان هايلي جوبي في إقليم عفار الإثيوبي مجرد حدث طبيعي عابر. فبركان ظل خامداً لآلاف السنين قبل أن يستيقظ بهذه الضراوة، يتحول تلقائياً إلى رسالة تتجاوز حدود الجغرافيا، وتضع المنطقة بأكملها أمام تساؤلات مقلقة حول مستقبلها البيئي والهيدرولوجي.

في لحظات معدودة، تبدل نهار عفار إلى عتمة كثيفة، وتحوّل العمود البركاني الهائل إلى مشهد يختصر هشاشة هذه البقعة التي تقف على خط التقاء وتصدع بين صفائح تكتونية كبرى. ورغم أن العلماء كانوا يرصدون منذ سنوات اتساع الشقوق وازدياد النشاط الحراري في المنطقة، إلا أن أحداً لم يتوقع أن ينفجر البركان بهذا الحجم وفي هذا التوقيت الحرج.


الإنذار الحقيقي يرتبط بما يقف على مقربة من المنطقة المتصدعة: سد النهضة. فالمشروع الضخم الذي يحتجز ما يقارب 74 مليار متر مكعب من المياه فوق واحدة من أكثر النقاط هشاشةً على مستوى القشرة الأرضية، يضع المنطقة أمام معادلة شائكة. فالدراسات العلمية تشير بوضوح إلى أن السدود العملاقة يمكن أن تُحفّز النشاط الزلزالي نتيجة الضغط الهائل على الطبقات التحتية، في ظاهرة تُعرف بـ"الزلازل المحفَّزة بالسدود".

لا أحد يجزم بوجود علاقة مباشرة بين الانفجار البركاني والسد، لكن السؤال الذي يتردد اليوم بين الجيولوجيين هو ما إذا كان الوزن المائي الهائل للسد أسهم في الإخلال بالتوازنات الدقيقة تحت السطح، أو سرّع نشاطاً جيولوجياً كان مؤجلاً.


لم تتوقف تداعيات الانفجار داخل إثيوبيا. فالسحابة البركانية الضخمة تحركت شرقاً باتجاه اليمن وعُمان ووصلت للهند وباكستان، في تذكير لافت بأن الأخطار البيئية في القرن الأفريقي ليست "محلية"، وأن أي اهتزاز جيولوجي في الهضبة الإثيوبية يمتد تأثيره إلى أجواء الجزيرة العربية ومسارات الطيران فيها.


رغم حجم الحدث، بقي الموقف الرسمي الإثيوبي غارقاً في الصمت. فالغياب الواضح للبيانات التفصيلية، وضعف أنظمة الرصد والإنذار، يفتحان الباب أمام تساؤلات حول قدرة السلطات على التعامل مع المخاطر، أو رغبتها في كشف الحقائق المرتبطة بسلامة السد وتأثره المحتمل بالنشاط البركاني المستجد.

ويزداد القلق بالنظر إلى سجل إدارة سد النهضة خلال السنوات الماضية، حيث قامت أديس أبابا بتصريف مفاجئ لكميات ضخمة من المياه من دون إخطار مسبق، ما تسبب في فيضانات أثرت على السودان ومصر. ومع الانفجار البركاني الأخير، كررت إثيوبيا النهج ذاته عبر زيادة التصريف بصورة عكست غياب التخطيط والاستشراف الفني.


على الجانب الآخر، واجهت مصر الزيادة المفاجئة في التدفقات المائية بخطة تشغيل دقيقة لبحيرة ناصر. فتم فتح مفيض توشكى بشكل استثنائي قبل اكتمال أعمال الصيانة الجارية، وتم استيعاب الموجات المائية داخل مستوى آمن بعد تجاوز منسوب البحيرة 182 متراً. هذه الجاهزية لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت ضمن استعدادات مبكرة وجهت بها القيادة السياسية للتعامل مع سيناريوهات تشمل حتى احتمال تعرض السد لهزات جيولوجية أو أعطال مفاجئة.


ما حدث يعيد تذكير المنطقة بحقيقة بسيطة: الطبيعة لا تخضع لمنطق فرض الأمر الواقع السياسي. فعودة بركان خامد بهذا الشكل ترفع مستوى التحذير من التعامل مع منطقة جيولوجية نشطة بمنطق المغامرة.

الرسالة التي تبعثها الأرض هذه الأيام واضحة وصريحة: هناك حدود للمناورة، وحدود للعناد، وحدود لما يمكن للطبيعة أن تتحمله.

وإذا كان السؤال اليوم هو "ماذا حدث؟"، فإن السؤال الأهم الذي يفرض نفسه هو: ماذا لو استمرت الأرض في الحديث… وبصوت أعلى؟




تم نسخ الرابط