الله يرحمك يا بهظ ..كنت بتقول: قطاع هنا غير شركة هناك
القوى الناعمة لها دور كبير في تشكيل الوعي ، وهي المعبر الحقيقي والمدافع عن هوية ومكتسبات الأمم ، وهي التي ترسم خريطة الفكر والوعي للعامة والخاصة .
في فيلم "الكيف" الذي أُنتج عام 1985وكتبه محمود ابوزيد واخرجه على عبدالخالق ، عبر بشكل كبير عن جزء من هوية الأمة المصرية ، بل وطرح كيف أن هناك من يتحدث لغة لا يعرفها الكثيرون ، بل واعطى دروساً وعبر ، ولست أبالغ إذا قولت أنه فيلم سبق عصره عندما صور مصر بأنها ليست كغيرها من البلدان، مصر بلد لها هوية وطبيعة ، وما يصلح في دول غيرنا لا يصلح عندنا.
أظن أنكم رأيتم المشهد الذي جمع بين يحي الفخراني "صلاح" مع البهظ بيه "جميل راتب ،وهم يتحدثون عن الكيف، وكيف انه يدمر الصحة ويقضي على العقل ، صلاح يؤكد ان هذه أبحاث منظمة الصحة العالمية، والبهظ يرد: دي متركبش معانا يا حبيبي ، صلاح يرد: بس دي بتدمر الصحة ،يرد البهظ: صحة هنا غير صحة هناك يا حبيبي .
وما ينطبق على الصحة ينطبق على التعليم والسكن والادارة والمأكل والملبس،وعلى الشوارع والمؤسسات والمرأة والرجل ، المشهد لخص أن طبيعة مصر والمصريين ، لا يمكن أن تتشابه مع غيرها ، ولذلك يجب أن يشاهد مسئولو وزارة البترول هذا الفيلم مرات ومرات.
والسبب في ذلك ، أن إدارة شركة عالمية أو محلية، امريكية كانت او انجليزية ، ماليزية كانت ام يابانيه ، مختلف تماماً عن إدارة شركة في مصر ، فما بالك لو كان الأمر ينطوي على قطاع البترول العريق .
وإذا اخذنا في الاعتبار أن منظومة إدارة الشركات العالمية ، تعطي الحق لرئيسها أن يمنح شخص واحد صلاحيات لإدارة 4 أو 5 إدارات ، يشرف عليهم ويتابعهم عبر فريق عمل متكامل ، فهذا إذا كانت الشركة او المؤسسة محددة ومحدودة ، يعني كل ما يتعلق بأعمالها داخل أربعة جدران أو داخل مبنى واحد .
أما إذا كان الأمر يتعلق بقطاع البترول ، فهذا أمر لا يتناسب معه ، لا علمياً ولا عملياً ولا نظرياً ولا إيدلوجياً، لأن القطاع مترامي الأطراف ، متعدد المهام ، مختلف الأجناس والجنسيات ، به اكثر من 140 شركة ، وبه هيئة وشركات قابضة وتتبعه هيئة الثروة المعدنية ، والوزارة طيلة تاريخها ما هي إلا مكان ورمز ، يعني Regulatroy لما يتم وليست مكان للمركزية والقمع والتكالب على جمع كل السلطات .
أعلم أن هذه بدعة السابقون ، وكتبت قبل ذلك أن هذه لعبة ستسوغ لمن يأتي بعدهم ، لكنهم عندما فعلوها لم يأتوا بأشخاص من الخارج ليجمعوا كل السلطات في أيديهم ، بل جاءوا بأشخاص الناس تعرفهم وهم يعرفونهم ، كل شخص منهم لديه صلاحيات وملفات موكلة إليه ، ولم يحدث أن جمعت الوزارة الصلاحيات في يد شخص قادم من الخارج وعمره بالقطاع لا يتخطى الاربعة أعوام ، شخص يتلقى تعليماته من أشخاص نعرفهم ويعرفوننا ، أشخاص لهم أجندة ومخطط يريدون تنفيذه، أشخاص لديهم النية للإنتقام من كل شيء ، ظناً منهم أنهم قد ظُلموا رغم أن دخولهم تتخطى مئات الآلاف شهرياً ، يحدث هذا في الوقت الذي يهرول فيه الوزير لزيادة الإنتاج ، ولا يدخر جهداً في ذلك ، بل ويطرق كل الأبواب لجذب المستثمرين.
ودون مواربة ، فإن جمع 5 صلاحيات في يد شخص لا يجعل الامر يستقيم ، بل ويحدث خلل في المنظومة ، أمر يجعلنا نتذكر الماضي البغيض عندما تولى الإخوان زمام الأمور في مصر ، فعمدوا الى اقصاء الجميع ، وكل من كان ليس منهم فهو ضدهم ، واطلقوا على معظم الشعب المصري بأنه فلول ، والفلول مفردها فلاية ، والفلاية هي التي تنظف الشعر من الحشرات ، ومنها القمل ، وحتماً سيعود الفلول الوطنيون لتنظيف كل شيء .
ثم صرخ الشعب المصري وتعالت اصواته ، يريدون من ينقذهم ، فجاءت بعد عام ثورة 30 يونيه المجيدة ، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أعاد مصر للمصريين ، وجعلها بلدة لكل مواطن يعيش على أرضها وليست ملك حفنة من الناس ، ومن ثم فإن القطاع يحتاج إلى 30 يونيه أخرى حتى تعيده إلى سابق عهده .
ثم إن هناك حديث عن الإطاحة بعدد أخر من قيادات الوزارة ، ولا أحد يستطيع الجزم بالوقت الذي تتوقف فيه هذه المجزرة ، لان هناك مخطط لتفريغها ثم الهيئة ثم الشركات القابضة ثم الشركات ، وهذا يجرف القطاع عن دوره ويخلق بيئة عمل غير صحية، ولن يساعد الوزير أحد .
لقد ظل قطاع البترول قوياً ومنظم ، ودائماً ما كنا نشبهه بالقوات المسلحة المصرية في التنظيم والترتيب والإدارة الجيدة ، وعندما جاء للقطاع أشخاص من خارجه بدأ القطاع يفقد الكثير والكثير ، لأن المناصب باتت توزع على أهل الثقة دون أهل الكفاءة ، وكثرت الشللية ، وتولى أمره أشخاص لا يعرفهم الناس ، وتسبب ذلك في تراخي منظومة العمل ، وكان نتيجة سلب الصلاحيات من القيادات تراجع الإنتاج وتراكم المديونيات وتفحل القروض .
كل ما نأمله هو إعادة الأمور لطبيعتها التي كانت عليها قبل 2015 ، وهذا لن يتأتى إلا بإعادة الصلاحيات وإسناد الأمر لأهل الكفاءة وليس أهل الثقة ، وأظن أن الوزير كريم بدوي يستطيع فعل ذلك..وإلى تكملة قادمة، والسلام .
#سقراط