إبراهيم توفيق يرد على سقراط في قضية تقديم رؤساء الشركات للمحاكمة الجنائية
بالإشارة إلى ما تم نشره بصحيفتكم الإلكترونية بقلم سقراط بتاريخ الخامس من ديسمبر الجاري ومناشدة منه للأستاذين أيمن حجازي وحسام التوني بشأن تقديم رؤساء الشركات للمحاكمة الجنائية عما يقع من مخالفات في شركاتهم
نقول أنه سبق لنا الحصول على العديد من أحكام البراءة للعديد من رؤساء الشركات بقطاع البترول في مثل هذه القضاء قديماً وحديثاً وذلك منذ ما يربوا على أكثر من ربع قرن من الزمان وكان سندنا في ذلك مبدأ شخصية العقوبة التي نصت عليها كافة الدساتير المصرية والمواثيق الدولية وشريعتنا الغراء
وبهذا حصلنا على عدة أحكام من محاكم الجنح والجنح المستأنفة
كانت البداية في عام ١٩٩٠ من محكمة جنح مستأنف أمبابة ببراءة المهندس عبد الحميد بك أبو بكر إبان أن كان رئيساً لشركة غاز مصر رحمه الله مرورا بعدد من رؤساء هذه الشركة وانتهاء ببراءة رئيس شركة السويس لتصنيع البترول
ثم جاءت المحكمة الدستورية العليا لتؤيد ما أنتهينا فقضت بعدم دستورية نص المادة ٧٢ من قانون البيئة رقم ٤ لسنة ١٠٩٤ الذي كان يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية في المنشأة عما يقع من العاملين في المنشأة، وشيدت المحكمة قضاءها على أن من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن القيود التي تفرضها القوانين الجزائية على الحرية الشخصية تقتضي أن تصاغ أحكامها بما يقطع كل جدل في شأن حقيقة محتواها ليبلغ اليقين بها حداً يعصمها من الجدل وبما يحول بين رجال السلطة العامة وتطبيقها بصورة انتقائية وفق معايير شخصية تخالطها الأهواء وتنال من الأبرياء
كما أن أفتراض البراءة يمثل أصلاً ثابتاً يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها وليس بنوع العقوبة المقررة لها
وأضافت المحكمة:أن توافر القصد الجنائي والذي يتمثل في إرادة إتيان فعل هو أصل ثابت في الجرائم العمدية فلا تقوم على الخطأ المفترض فالقانون الجنائي لا يعرف المسئولية المفترضة
وأضافت المحكمة أن الأصل في العقوبة هي معقوليتها ،وأن الأصل في الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها بما مؤداها أن الشخص لا يزر غير سوء عمله وأن جريرة الجريمة لا يؤخذ بها إلا جناتها ولا ينال عقابها إلا من قارفها ،وأن لكل جريمة ركنان لا قوام لها بغيرهما ،أحدهما مادي يتمثل في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي مؤكداً بذلك على مادية الفعل المؤاخذ علي ارتكابه إيجابا كان أوسلباً
وأضافت المحكمة أنه لا يجوز إقامة قرينة قانونية على نسبة الجريمة إلى فاعل بعينه بغير إقامة الدليل على صحة الاتهام لمخالفة ذلك لأصل البراءة.
وأضافت :وحيث أن المادة ٩٥ من دستورنا القائم قد نصت على أن العقوبة شخصية،وكان النص المطعون فيه قد عاقب المسئول عن الإدارة الفعلية عن الأفعال المكونة للجريمة التي أرتكبها غيره ولم يكن له فيها أي مساهمة أكتفاء بوقوع تلك الأفعال المؤثمة من العاملين بالمنشأة بديلاً عن أي سلوك إيجابي أوسلبي يقوم به الركن المادي للجريمة الأمر الذي يعني أن أرادة المشرع في الإدانة حلت محل محكمة الموضوع في التحقق من توافر أركان الجريمة ويكون النص المطعون فيه قد تركه نهباً لاتهام لا سبيل لنفسه ولا حيلة لدفعه
وعليه يكون النص المطعون فيه قد وقع في حمأة مخالفة الدستور
—————————
( الحكم رقم ١٧٣ لسنة ٢٩ ق دستورية جلسة الخامس من ديسمبر سنة ٢٠١٥ المنشور في الجريدة الرسمية العدد الخامس مكرر ه في ١٦ من ديسمبر ٢٠١٥ وفي مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا الجزء الخامس عشر المجلد الأول ص ١١١٩ قاعدة ١٠١٥)
——————————-
كما كانت هذه المحكمة أيضاً قد قضت بعدم دستورية المادة ١٩٥ من قانون العقوبات التي كانت تعاقب رئيس التحرير عما يقع من بعض الصحفيين الذين يعملون تحت رئاسته
وشيدت المحكمة قضاءها على أنه لا يتصور في جريدة تتعدد صفحاتها وتتزاحم فيها مقالاتها وتتعدد فيها مقاصدها أن يكون رئيس التحرير محيطاً بها جميعاً نافذاً إلى محتوياتها ممحصاً بعين ثاقبة كل جزئياتها ولا أن يزن كل عباراتها بافتراض سوء نية من كتبها ولا أن يقيسها وفق ضوابط قانونية قد يدق الأمر بشأنها فلا تتحدد تطبيقاتها
وأضافت المحكمة أن النص المطعون فيه جعل رئيس التحرير مواجهاً بواقعة أثبتتها القرينة القانونية في حقه دون دليل يظاهرها ومكلفاً بنفيها خلافاً لأفتراض أصل البراءة.
————————
(الحكم رقم ٥٩ لسنة ١٨ ق دستورية جلسة الأول من فبراير سنة ١٩٧٧ المنشور بالجريدة الرسمية العدد ٧ تابع في ١٣من فبراير سنة ١٩٧٧ في مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا الجزء الثامن ص٢٨٦ قاعدة ١٩)
—————————
كما جرى قضاء المحكمة الإدارية العليا منذ باكورة أحكامهما على أن تحديد مسئولية صاحب الوظيفة الإشرافية ليس معناه تحميله بكل المخالفات التي تقع من مرؤوسيه فليس مطلوباً من الرئيس أن يحل محل كل مرؤوس في أداء واجباته الوظيفية لتعارض ذلك مع طبيعة العمل الإداري واستحالة الحلول الكامل
(يراجع الطعون أرقام ٣٥٩٢ لسنة ٥٨ ق عليا جلسة ٢١من يونية سنة ٢٠١٤و١٩١٥٨ لسنة ٥٩ ق عليا جلسة ٢٣من أبريل سنة ٢٠١٦و ٦٥٨ لسنة ٥٩ ق عليا جلسة ١٩ من مايو سنة ٢٠١٨ و ٧٣٧٢ لسنة ٦٠ ق عليا جلسة ٢٦ من ديسمبر سنة ٢٠٢٠)
وتأتي هذه المبادئ والقواعد القانونية سواء في المسئولية الجنائية أو التأديبية إعمالًالقاعدة شخصية العقوبة ولمبدأ أصل البراءة التي هي قاعدة أساسية في النظام الأتهامي تفرضها حقائق الأشياء وتقتضيها الشرعية الاجرائيه وأن المسئولية الجنائية لا تفترض و لا يجوز أن تعلق مصائر الناس على غير أفعالهم التي يسألون عن حسنها وقبحها وأن الأصل في الأتهام أن يكون جاداً ولا يتصور أن يكون الاتهام عملاً نزقاً تنزلق إليه سلطة الإحالة بتسرعها أو تفريطها وأن الانسان لايسأل بصفته فاعلاً أو شريكاً إلا حيث يكون لنشاطه دخل في وقوعه وأن إثبات الاتهام يقع على النيابة العامة وحدها دون غيرها وأن المتهم لا يلتزم بتقديم أدلة إيجابية على ثبوت براءته إنما يقتصر دوره على مناقشة الدليل المقدم في الدعوى فيفنده
وإذا كان هذا هو ما جرى عليه القضاء المصري بشقيه الدستوري والإداري فإن مجلس اللوردات البريطاني قد وصف أصل البراءة بأنه خيط رفيع في نسيج القانون الجنائي
وقد سبق كافة الدساتير والمواثيق الدولية شريعتنا السمحاء في عدد سبع سور من القرآن الكريم وهى سور الأنعام والإسراء وسبأ وفاطر والزمر والنجم والمدثر
ففي الأنعام قال الله تعالى}وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى{الآية 164 وفى الإسراء فى قوله تعالى }وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ{الآية 13 و أيضاً الاية15(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وفى سورة سبأ قال الله تعالى{ قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } الآية 25 وفى فاطر فى قوله تعالى }وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى{الآية 18 وفى الزمر فى قوله تعالى}وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى{الآية 7 وفى النجم فى قوله تعالى{ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } الآيتين 38 و 39 وفى المدثر فى قوله تعالى { كُلُّ نَفسٍ بِمَا كَسَبَت رَهِينَةٌ} الآية 38.
ونضيف أيضآ أنه سبق لنا الحصول على عدد من الأحكام ببراءة بعض رؤساء الشركات بقطاع البترول في بعض القضايا الجنائية التي كانت مرفوعة ضدهم بالمادة ١٢٣ من قانون العقوبات لعدم تنفيذبعض الأحكام القضائية الصادرة ضد شركاتهم وكان سندنا في ذلك أن رؤساء الشركات سواء في قطاع البترول أو غيره من قطاعات الدولة ليسوا موظفين عموميين ومن ثم لا يسري عليهم المادة ١٢٣ من قانون العقوبات
وشيدنا دفاعنا على ما قضت به المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض في هذا الشأن.
————————-
كاتب المقال-مساعد رئيس شركة غاز مصر للشئون القانونبة الأسبق ، ومحامي حر ومسشتار عدد من الشركات .