أيمن حسين يكتب: وأخيرًا…تحرّك الماء الراكد

في وقتٍ سابق، كتبنا كثيرًا عن التغيير من خلال مقالات مختلفة، وقلنا إنه لابد أن يجيء، مهما طال تأجيله. تحدثنا عن الجمود، عن غياب العدالة في توزيع الأدوار، وعن الكفاءات التي تنتظر في الظل فرصتها..
واليوم، وبعد انتظار ربما طال قليلًا، جاءت حركة التغييرات في قطاع البترول لتقول لنا: ها هو التغيير قد بدأ. فلم تعد الكراسي ثابتة، ولم تعد الأسماء ولا المعارف وحدها ضمانًا للبقاء. وهذا في حد ذاته تحوّل يستحق أن نتوقف أمامه، وهو مكسب كبير ليس فقط في الحاضر، بل سيكون مكسبًا حقيقيًا إذا تحوّل إلى مبدأ دائم نعمل به داخل القطاع.
من “صاحب بالين” إلى دروس المرحلة
في مقالة سابقة كتبنا: “صاحب بالين كذّاب، وصاحب ثلاثة منافق. لا أحد ينجح وهو ممسك بكل شيء، متصدر كل مشهد، ولا أحد يتقن إدارة ملفات مختلفة، خصوصًا إذا لم تكن من صميم تخصصه.
وقد رأينا اليوم أن من تمسّك بأكثر مما ينبغي، جاءت النتيجة على غير ما يتوقع. وسقطت أقنعة الطمع والاستحواذ، وظهرت الحقيقة: أن التعدد المفرط، والسطوة غير المبررة، لا تبني كيانًا…بل تستهلكه وتضر به.
رسالة إلى من غادروا المشهد
الرحيل من موقع المسؤولية لا يعني السقوط. وقد يكون الخروج بداية جديدة في مكان مختلف، ربما تُحقق فيه ما لم يتحقق سابقًا.
وليس ذلك نهاية باهتة، بل فرصة لإعادة التشكيل.
لكم أن تعيدوا صياغة أدواركم، وتصحيح صور ربما لم تكن الأفضل.
لكم أن تستثمروا ما تبقى من أثر وخبرة في مساحة جديدة، بأسلوب مختلف،
وتتذكّروا أن المسؤول الحقيقي يترك خلفه أثرًا… لا أزمة. وهذا الحديث ليس موجّهًا للجميع، بل لمن أساء استغلال فرصته، ولم يُحسن أداء دوره.
رسالة إلى من تسلّموا الراية:-
أنتم اليوم أمام فرصة عظيمة، لا للمنصب فقط…بل للدرس. تأملوا جيدًا في مَن رحلوا قبلكم، وتعلّموا من أخطائهم قبل أن تكرّروها.
لا تجعلوا المقعد غاية، ولا المناصب وسيلة لفرض الهيمنة. اختاروا التخصص، لا التشتت… الشفافية، لا المجاملة.
احذروا من الوقوع في فخ الطمع، والتكبر، وسوء استخدام الصلاحيات.
وتذكّروا دائمًا أن التغيير الذي جاء بكم اليوم، قد يحمل غيركم في الغد — وربما أسرع مما تظنون، في ظل سياسة التغيير الجديدة.
العمل الجماعي… والخبرة المتجددة
مع كل تغيير، لا بد أن نتذكّر أن النجاح الحقيقي لا يصنعه فرد واحد، ولا يُبنى بمجهود منفرد، بل هو نتيجة عمل جماعي متناغم، يضم أصحاب الرؤية، وأصحاب التنفيذ، وأصحاب الضمير. فالعمل مع الفريق والمعاونين، والإنصات لآرائهم، ومنحهم التقدير والثقة، سيعود بالنفع الكبير على العمل ككل، وعليكم أنتم بشكل خاص.
امنحوا الجميع فرصة للعمل دون خوف، وشجّعوهم على قول الحق، حتى وإن تعارض رأيهم مع رأيكم الشخصي. فالعمل الجماعي متعة لا يدركها إلا الأسوياء من أصحاب الخبرة، والذين يملكون ثقة حقيقية في أنفسهم.
الكفاءات موجودة…فقط افتحوا الأبواب
في قطاع البترول، لا تنقصنا الكفاءات، ولا تقلّ فينا الخبرات. فالقطاع مليء بآلاف الكوادر المتميزة التي تنتظر فقط الفرصة للتعبير عن نفسها وإثبات جدارتها.
هذا القطاع العريق أنجب الكثير من التجارب الثرية، ومن الشخصيات التي صنعت الفارق داخل الوزارة، وفي شراكاتها، بل وفي قطاعات الدولة المختلفة. يكفي أن نعلم أن رئيس وزراء مصر في يوم ما خرج من رحم هذا القطاع العظيم.
من بين القيادات الحالية، من قدّم الكثير في صمت، ومن لا يزال قادرًا على العطاء إن أُحسن استثماره. ومن بين الشباب، من يملك فكرًا متطوّرًا وطاقة حقيقية لبناء مستقبل مختلف… فقط إن أُتيحت لهم الفرصة.
لكن علينا أن نبحث عنهم بصدق، فهم موجودون في كل التخصصات، فقط يحتاجون من يرى، ويفسح الطريق.
ولعلّ أجمل ما يمكن أن يحمله هذا التغيير هو الجمع بين الخبرة والطموح…بين من بنى الأمس، ومن يحمل أدوات الغد.
هل انتهت القصة؟
لا، لم تنتهِ. لكننا بدأنا نكتب فصلًا جديدًا، عنوانه: فرصة… لمن يستحق”، فليكن هذا التحرك خطوة أولى نحو قطاع يُدار بالكفاءة، ويُبنى بالعدالة، ويستمر بالثقة.
الاختبار الحقيقي يبدأ من الآن. وسيعرف الجميع من يستحق أن يبقى، ومن لم يتعلم شيئًا. والأهم من كل ذلك…أن يدرك كل مسؤول، في كل موقع، أن المنصب فرصة للإنجاز وخدمة الوطن، لا وسيلة للتفاخر أو الاستعلاء أو المكاسب الشخصية. فكل كرسي له عمر ولن يستمر للأبد وكل اسم له وقت،لكن ما يبقى هو الأثر.
كاتب المقال: الكاتب والشاعر أيمن حسين- مدير عام الإعلام – جهاز تنظيم أنشطة سوق الغاز