الإثنين 07 أبريل 2025 الموافق 09 شوال 1446

مروه عطيه تكتب عن : جامعة القاهرة وزيارة ماكرون

158
مروه عطيه
مروه عطيه

في قلب القاهرة الكبرى وبالقرب من ضفاف النيل، تنتصب جامعة القاهرة شامخة كشاهد على إرادة المصريين في بناء وطنهم بالعلم والمعرفة. إنها ليست مجرد مؤسسة أكاديمية، بل قصة كفاح وطني، ومثال حي على التعاون بين الشعب والنخبة المثقفة وبعض من أبناء العائلة المالكة الذين آمنوا بأهمية التعليم كسبيل للنهضة.
في مطلع القرن العشرين، كانت مصر ترزح تحت الاحتلال البريطاني، وكانت البعثات التعليمية إلى أوروبا محدودة النطاق ومقصورة على فئات قليلة من أبناء الطبقة الثرية. في ظل هذا الواقع، ظهرت دعوات وطنية جريئة لتأسيس جامعة مصرية تُتيح لأبناء الوطن تعلّم العلوم والآداب، دون الحاجة إلى السفر للخارج أو الخضوع لنفوذ استعماري وذلك عندما كتبت صحيفة الهلال المصرية مقالا تقترح فيه إنشاء كلية لتثقيف الشبان المصريين فى بلادهم بدلا من إرسالهم إلى أوربا. وقد تبنى الزعيم مصطفى كامل هذه الفكرة ودعا إليها مطالبا بإنشاء جامعة تخرج العلماء والأساتذة والباحثين، ولا يقتصر دورها على تخريج طالبى الوظائف الحكومية، وأهاب بالأغنياء المساهمة بأموالهم لإنشاء هذه الجامعة.
 

ثم تبنى فكرة إنشاء الجامعة المصرية بعض قادة الرأى فى مصر أمثال الشيخ محمد عبده وبعض المستنيرين من الأغنياء مثل أحمد المنشاوى باشا الذى فكر فى إنشاء الجامعة فى بنها على أرض يملكها. إلا أن وفاة المنشاوى باشا ثم وفاة الشيخ محمد عبده جعلت فكرة المشروع تخمد وذلك لقلة التبرعات حتى تقدم أحد أعيان بنى سويف وهو مصطفى بك كامل الغمراوى فأعلن فى الصحف البدء بنفسه فتبرع للمشروع كما حث الأغنياء على أن يحذوا حذوه.

وقد تبنت الصحف الدعوة إلى إنشاء الجامعة مره أخرى وطالبت ببذل الهمم لإخراج المشروع إلى حيز الوجود. وبعد تزايد حركة الاكتتاب تم عقد اجتماع مساء الجمعة 21 اكتوبر سنة 1906 حضره عدد كبير من أولى الأمر فى مصر حيث تم تشكيل لجنة تحضيرية من سعد زغلول وكيلا وقاسم أمين سكرتيرا وحسن سعيد أمينا للصندوق وآخرين أعضاء أما منصب رئاسة اللجنة فقد أبقوه شاغرا لحين شغله بأحد أفراد الأسرة المالكة وتقرر فى ذلك الاجتماع نشر الدعوة للمشروع فى الصحف لتعريف كافة الناس بالمشروع ودعوتهم للاكتتاب فيه، وأن تسمى هذه الجامعة باسم “الجامعة المصرية”.
 

تبلورت هذه الفكرة بفضل جهود مجموعة من المفكرين والزعماء مثل مصطفى كامل، سعد زغلول، قاسم أمين، وعلي باشا مبارك، الذين رأوا أن إنشاء جامعة وطنية هو مفتاح تحرير العقول، وتمهيد الطريق نحو الاستقلال الحقيقي.
 

وفي عام 1908، تأسست الجامعة المصرية الأهلية كمؤسسة تعليمية مستقلة، تُعنى بنشر العلوم والمعارف الحديثة، لتكون بذلك أول لبنة في صرح التعليم الجامعي الحديث في مصر.
 

دور الأميرة فاطمة إسماعيل
لم يكن هذا الحلم ليكتمل لولا التبرع السخي والتاريخي الذي قدّمته الأميرة فاطمة إسماعيل، ابنة الخديوي إسماعيل وأخت الخديوي توفيق. فقد آمنت الأميرة بدور التعليم في بناء الأمم، وساهمت في دعم المشروع بكل ما أوتيت من إمكانيات.
 

تبرعت الأميرة بقطعة أرض واسعة بلغت 6 أفدنة في منطقة الجيزة، بالإضافة إلى تقديم جزء كبير من مجوهراتها الشخصية، التي بيعت في مزاد علني وبلغت قيمتها قرابة 7000 جنيه ذهبي، وهو مبلغ ضخم آنذاك. هذا الدعم المالي والمعنوي أسهم بشكل مباشر في بناء الكليات الأولى وتأسيس البنية التحتية للجامعة.
كما كانت الأميرة فاطمة تتابع تطورات المشروع بنفسها، وتطلب تقارير دورية حول سير الإنشاءات، ما يُبرز إيمانها العميق بالفكرة والتزامها بتحقيقها، لتُصبح رمزاً للمرأة المصرية الداعمة للعلم والتنمية.
 

مساهمات العائلة المالكة
امتد دعم تأسيس الجامعة ليشمل أفراداً آخرين من العائلة المالكة، أبرزهم:
- الملك فؤاد الأول: الذي أصدر عام 1925 مرسوماً ملكياً بتحويل الجامعة الأهلية إلى جامعة حكومية تحت اسم "الجامعة المصرية"، والتي أصبحت لاحقاً تُعرف بـ "جامعة فؤاد الأول"، ثم "جامعة القاهرة" بعد ثورة 1952.
- الخديوي عباس حلمي الثاني: أبدى دعماً معنوياً لفكرة إنشاء الجامعة رغم التحفظات السياسية في بدايتها، وشجّع النخبة على المضي قدماً في المشروع.
 

تطور الجامعة تاريخياً:


بدأت الدراسة في الجامعة عام 1908 في أماكن متفرقة، منها قاعات مدرسة المعلمين العليا، ومع مرور الوقت، توسعت الجامعة لتضم الكليات الكبرى مثل الحقوق، الآداب، الطب، والهندسة. وفي عام 1925، أصبحت مؤسسة حكومية رسمية تُعرف باسم "الجامعة المصرية".
 

شهدت الجامعة خلال القرن العشرين تطورات هائلة، سواء من حيث عدد الكليات أو البرامج الدراسية أو أعداد الطلاب والباحثين. وأصبحت مركزاً رئيسياً للنهضة الفكرية والسياسية في مصر والعالم العربي، ومنبراً لتخريج قادة الفكر والفن والعلم.
أعلام تخرجوا من جامعة القاهرة
خرجت الجامعة أجيالاً من الرموز الوطنية والعلمية والأدبية، من أبرزهم:
- طه حسين: أول حاصل على الدكتوراه من الجامعة، وعميد الأدب العربي. - نجيب محفوظ: الأديب الكبير، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب.- محمد عبد الوهاب: الموسيقار العبقري وأحد رواد النهضة الموسيقية.
- فاروق الباز: العالم المصري في مجال الفضاء بوكالة ناسا.- بطرس بطرس غالي: الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة.
 

الجامعة اليوم: صرح علمي في قلب مصر:- 


تشهد جامعة القاهرة اليوم تطوراً كبيراً على مستوى التعليم والبحث العلمي، حيث تضم أكثر من 20 كلية ومعهدًا، تغطي كافة فروع المعرفة من الطب والهندسة إلى الاقتصاد والعلوم السياسية والفنون والآداب.
وتحتضن الجامعة أكثر من 250 ألف طالب وطالبة، وتشرف على مئات المشاريع البحثية، وتتمتع بشراكات أكاديمية مع العديد من الجامعات العالمية. كما تتبنى الجامعة خططاً لتطوير البنية التحتية والرقمنة وتحديث المناهج لتواكب متطلبات العصر الحديث.
 

وتحتل جامعة القاهرة مراتب متقدمة في التصنيفات الدولية للجامعات، خاصة في مجالات الطب، الصيدلة، الهندسة، والعلوم الاجتماعية.
 

خاتمة:-
————

إن تاريخ جامعة القاهرة ليس مجرد قصة إنشاء مؤسسة تعليمية، بل هو حكاية نضال وطني وتلاحم بين المثقفين، والدولة، وبعض من أبناء العائلة المالكة الذين آمنوا برسالة التعليم. لقد كان دور الأميرة فاطمة إسماعيل نموذجاً راقياً في التضحية من أجل العلم والوطن، وسيبقى اسمها خالداً في وجدان كل من مرّ في رحاب هذه الجامعة العريقة.
 

جامعة القاهرة اليوم ليست فقط صرحاً تعليمياً، بل هي مرآة لتاريخ مصر، ومفتاح لمستقبلها، ومصدر فخر لكل مصري ولذلك كان اختيارها لزيارات الكثير من زعماء العالم أمثال جاك شيراك ومانديلا أوباما واخيرا ماكرون.




تم نسخ الرابط