الثلاثاء 29 يوليو 2025 الموافق 04 صفر 1447

شخصيات: آهٍ لو عاد عمرو مصطفى مرة أخرى !

1357
عمرو بك مصطفى
عمرو بك مصطفى

يظل عمرو بك مصطفى واحد من أبرز وألمع قيادات قطاع البترول في عصره الذهبي، الرجل الذي كان ولايزال يطلق عليه "جنتلمان القطاع"، لشياكة ملبسه وأخلاقه وسيرته وسريرته .

لا شك أن هناك أسماء حين تُذكر، تضيء في الذاكرة كالشُّهب، وتترك خلفها أثرًا لا يُمحى. من بين هؤلاء، اسم عمرو مصطفى كامل سيد حسن، الذي نذر نفسه للعمل في قطاع البترول، حتى صار رمزًا للانضباط، والكفاءة، والنزاهة، وفنانًا في فنون الإدارة والاستثمار، حتى وقتٍ ليس ببعيد .

ولد عمرو مصطفى في ٢٣ ديسمبر ١٩٥٩، ومنذ أن وطأت قدماه أبواب شركة النصر للبترول عام ١٩٨٠، وهو في الحادية والعشرين من عمره، لم يعرف الراحة ولا التراجع. كان شغوفًا بعمله، مؤمنًا أن خدمة الوطن لا تحتاج إلى شعارات، بل إلى رجالٍ يملكون الإرادة، ويتركون بصمتهم بالفعل لا بالقول.

في معامل النصر للبترول، بدأ الشاب الكيميائي رحلته. لم يطل به المقام هناك، إذ انتقل سريعًا إلى الهيئة المصرية العامة للبترول عام ١٩٨٤، وهناك بدأت ملامح قيادته تتشكل،تنقل بين المناصب، حتى أصبح مديرًا لإدارة تطوير العمليات، ثم مديرًا عامًا للعمليات، وصولًا إلى منصب نائب العمليات بالهيئة.

ولم يقتصر عطاؤه على المهام الفنية فقط، بل عمل مديرًا لمكتب وزير البترول الراحل عبد الهادي قنديل، قبل أن يعود مرة أخرى إلى الميدان، حيث أحب أن يكون دائمًا قريبًا من قلب العمل، حيث التحديات الحقيقية.

في يناير ٢٠١٣، وبينما كانت مصر تعاني من أزمة طاحنة في البنزين والسولار خلال فترة حكم جماعة الإخوان، تصدّر عمرو مصطفى المشهد، وتحمل مسئولية جسيمة في إدارة الأزمة وسط فوضى السوق السوداء وضغوط تهريب المنتجات عبر الحدود.

وفي مارس من العام نفسه، تولى رئاسة شركة الإسكندرية للبترول، قبل أن يصدر قرار في أبريل ٢٠١٦ بتكليفه بقيادة شركة الإسكندرية للزيوت المعدنية (أموك). هناك، أظهر الوجه الآخر لعبقريته الإدارية، ليصبح بحق وكما أطلق عليه الدكتور أحمد هندي “توربيني الاستثمارات” الذي نقل الشركة إلى آفاق غير مسبوقة.

خلال العام المالي ٢٠١٧/٢٠١٨، حققت الشركة تحت قيادته إنجازات وُصفت بالتاريخية، وصلت الأرباح ١.٤٨ مليار جنيه وقت أن كان الدولار بأقل من عشرة جنيهات، وارتفعت القيمة السوقية للشركة إلى ١٥ مليار جنيه بعدما كانت لا تتجاوز ٢ مليار، وتم إدراج شهادات إيداع دولية وتجزئة الأسهم، ما جعل اسم “أموك” يتردد بقوة داخل البورصة المصرية، دائمًا باللون الأخضر.

لم تكن هذه الأرقام مجرد مؤشرات مالية، بل كانت شهادة حية على عقلية استثمارية متطورة، ورؤية إدارية سبقت زمانها، إنها رؤية عمرو مصطفى .

جميعنا عرف عمرو مصطفى عن قرب، ونشهد جميعاً أنه كان نموذجًا للنزاهة والالتزام. ورغم ما واجهه من شائعات مغرضة ومحاولات للنيل منه، ظل شامخًا، مؤمنًا أن التاريخ وحده كفيل بإنصاف الرجال. خرج للمعاش "الإرادي"، في ٣ يناير ٢٠١٩ بصمت الكبار، تاركًا وراءه سجلًا من الإنجازات وميراثًا إداريًا لا يُنسى.

الإدارة عند عمرو مصطفى لم تكن مجرد وظيفة، بل فن ورسالة. كان يملك ما يُعرف بـ”الكاريزما القيادية”، ممزوجة بعلمٍ وخبرة، وجرأة في اتخاذ القرار. لقد كان أحد آخر “فرسان الإدارة البترولية” الذين يصعب أن يجود الزمن بمثلهم.

وحين نستعيد أسماء عمالقة القطاع: محمود يونس، عزيز صدقي، أحمد عز الدين هلال، عبد الهادي قنديل، سامح فهمي، هاني ضاحي، سيد الخراشي، محمد شعيب… وصولًا إلى عمرو مصطفى، ندرك أننا نتحدث عن جيلٍ صنع المجد، وترك بصمة مضيئة في ذاكرة الصناعة.

اليوم، نفتقد تلك القيادات التي كانت تحظى بثقة الكبير والصغير، وتدير الأزمات بالحكمة لا بالصخب، وتدافع عن حقوق العمال بروح الأب لا بمنطق المسؤول البعيد.

لهذا ، فإن حكاية عمرو مصطفى ليست مجرد سيرة مهنية، بل قصة وفاء وانتماء، تُثبت أن النجاح الحقيقي لا يُقاس بالسنوات أو الألقاب، بل بما تتركه من أثر.فهل يمكن للزمان أن يعيد لنا أمثال هؤلاء الفرسان؟ “آهٍ يا زمان…لو أنك تعود! ”والسلام .
#سقراط




تم نسخ الرابط