بـلال الـدوى يكتب : وزارة البترول من "كتاب مفتوح" لـ "سُكتُم بُكتُم"(1)

فى ليلة من ليالي ( خريف ٢٠٠٩ ) ، هَبَت عاصفة صحفية كادت تقضي علي طقم القيادات الكبرى بوزارة البترول وتطيح بهم جميعاً من على كراسيهم ، كانت العاصفة الصحفية قد تعدى صداها جدران وزارة البترول ووصلت لجدران المقر الرئيسي للحزب الوطنى على كورنيش النيل ، بل يحق لنا القول أن تأثير هذه العاصفة الصحفية تمدد ليصل لمقر المكتب الخاص لـ "جمال مبارك" والذى كان مُخصصاً للإجتماعات الهامة بينه وبين قيادات الحزب الوطنى .. وبكل تواضع نقول : بالطبع كانت العاصفة الصحفية قد وصل مداها لقصر الإتحادية حيث كان _ وقتها _ الرئيس مبارك يهتم إهتماماً خاصاً بما يجرى بوزارة البترول وما حققته شركاتها وحجم مُساهماتها فى الدخل القومى ونسبة مُشاركاتها فى توفير فرص عمل جديدة للشباب وكان يهتم أكثر بما يُنشر عن الوزراة من سلبيات ودائماً كان الدكتور زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية ما يتصدر المشهد ويقوم بالرد علي أى إتهامات تتعلق بالوزارة
.. العاصفة الصحفية التى أتحدث عنها تم نشرها فى جريدة المستقبل اليوم وكان بطلها الأول الزميل العزيز الكاتب الصحفي ( عثمان علام ) ، وبطلها الثانى ( العبد لله ) ، فقد كانت عاصفة مزدوجة أي على مدار إسبوعين متتاليين ، فى الإسبوع الأول نشرنا ( تفاصيل خطيرة عن الشركة المصرية للتكرير ) فى مسطرد ، إنقلبت الدنيا ولم تقعد ، طوال الإسبوع تعرضنا لضغوط ما أنزل الله بها من سلطان لكى نُوقِف النشر ، لكننا لم نخضع للضغوط ولم نخاف ولم نُطأطيء الرأس بل واجهنا رغم الإتصالات المتوالية من كبار المسئولين فى الحكومة والبترول وبعض الأجهزة .. وبكل جسارة قال "عثمان علام" : لن نُوقِف النشر وبابنا مفتوح لنشر أي رد يصل إلينا من مسئولي الشركة أو الوزارة ومُستعدون للمواجهة فى المحاكم لأننا نشرنا موضوعاً صحفياً بالمستندات الدامغة التى لا تقبل التأويل أو التشكيك أو التحوير ..كان هَمنا الأول والأخير الحفاظ علي المال العام والحفاظ علي صحة المصريين خاصة أننا نشرنا التقرير الخاص الصادر من اللجنة التى تم تشكيلها من كلية الهندسة بجامعة القاهرة والتى أكدت أن هناك خطورة علي صحة أهالي مسطرد وشبرا والقناطر بل ومحافظة القليوبية كلها فى حالة الموافقة على هذا المشروع
.. وساطات لم نتوقعها تدخلت لدينا للسكوت لكننا -عثمان علام وأنا _ لم نسكُت ، لدرجة أن قيادات صحفية كبرى علي علاقة بالشركة حاولوا التواصل معنا للضغط علينا لعدم النشر أو الصمت وإغماض عيوننا لكننا رفضنا مثل هذه التدخلات المُغرضة .. ونتيجة لذلك : إنتشر الرعب فى جنبات الوزارة والشركة ، رسالتنا وصلت لهم بقوة وأدركوا بأننا ( لا بنخاف ولا بنطاطي ولا بنحب الصوت الواطي ) ، وما زادنا قوة على قوتنا تلك الإتصالات التى وصلت لنا من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين الذين رفضوا أي ضغوط علينا ودعمونا وساندونا فى معركتنا وبالطبع كان فى المُقدمة نقيب الصحفيين الراحل الكاتب الصحفي الكبير مكرم محمد أحمد .. هنا أدرك الجميع _ سواء مسئولين بالوزارة أو بالشركة أو ببعض الاجهزة _ بأن المعركة هى معركة صحفية فى الأساس وعلي السادة المعنيين الرد علينا بالمستندات أو نلقاهم فى جولة أخرى فى المحاكم فى أقرب وقت
.. خلال ( ٤٨ ) ساعة من نشر الأسرار الخطيرة المتعلقة بالشركة المصرية للتكرير كانت شركات وزارة البترول كلها تتحدث عن الحملة التى قادتها ( المستقبل ) ، عدد من أعضاء مجلس الشعب تواصلوا معنا وفى اليوم الثالث إشتعل البرلمان بطلب إحاطة قدمه النائب الدكتور جمال زهران و ( ٤ ) بيانات عاجلة أخرى قدمها عدداً من النواب المعارضين وكانت المفاجأة أن كان إحدى البيانات العاجلة تم تقديمه من نائب عن الحزب الوطنى وهو النائب حيدر بغدادي .. هُنا أصبحت القضية قضية رأي عام بعد مناقشتها بإستفاضة تحت قبة مجلس الشعب
.. أدركنا وقتها أننا قمنا بواجبنا ونجحنا ، لكننا أردنا _ أيضاً _ إثبات أننا علي الحق المُبين وأننا لا نريد إلا الإصلاح والحفاظ علي المال العام ، ففى الإسبوع الثاني جهزنا خبطة صحفية جديدة مُفاجأة للوزارة وللرأي العام ، كانت عن ( التحالف المشبوه بين شركة هيرمس وعدد من القيادات للسيطرة على الشركات الكبرى بوزارة البترول وبتواطوء تام من رجال جمال مبارك المُنتمين للجنة السياسات بالحزب الوطني ) ، لم نَسلَم من التهديدات ، إتصالات غريبة من قيادات للضغط علينا وإتهامنا بأننا نتعدى الخطوط الحمراء ، البعض نَصَحنا بالتوقف ، البعض حاول إيصال رسائل خفية لنا بأن الإقتراب من هذا الملف سيجعلنا فى مهب الريح ، تهديد واضح لنا ( مش كل مَرَة تِسلَم الجَرَة وإلا "هيرمس" و "جمال مبارك" )
.. وقتها ، كُنا نعلم _ تمام العِلم _ بأن ما كتبناه أولاً عن ( خطر "الشركة المصرية للتكرير" ) وما كتبناها ثانياً عن ( تحالف رجال جمال مبارك فى هيرمس للسيطرة على الشركات الكبرى فى وزارة البترول ) هما مُجرد خبطتين صحفيتين عن وزارة البترول ، لكن البعض فسر ذلك وقال إنهما ليسا خبطتين صحفيتين فقط بل هما بمثابة ( عاصفة صحفية هبت على وزارة البترول دون غيرها من الوزارات )
.. وللحق أقول : كانت وزارة البترول بها من العقلاء ( الكثيرين ) ، بها من القادة الكبار الذين يتميزون بالحكمة ( الكثيرين ) ، بها من الذين يُقدرون الصحافة والصحفيين ( الكثيرين ) ، بها من الذين يفكرون فى الصالح العام ( الكثيرين ) .. فجأة وبدون مقدمات صدرت التعليمات العليا من معالي وزير البترول المهندس سامح فهمى الذي كان يتعامل مع الصحفيين معاملة تليق به وبهم وكان يُدرِك _ كل الإدراك _ بأن "مافيش نار من غير دخان" بضرورة جلوس كل قيادات وزارة البترول معنا ، بضرورة عرض كافة الحقائق علينا ، بضرورة الرد علينا رداً شافياً وافياً كافياً حتى يتم إطفاء النار التى إشتعل لهيبها وطال جدران الوزراة بل ووصل لهيبها إلى البرلمان وقصر الإتحادية
.. ولأننا غرضنا شريف ، وهدفنا الصالح العام ، وتقديراً للوزير سامح فهمى الذى كان له مِنا كل إحترام وتقدير فقد قَبِلنا _ عثمان علام وأنا _ ما أوصي به وما عرضه علينا من ضرورة الجلوس مع كل القيادات المَعنية بما نشرناها على مدار إسبوعين كاملين ، تقبلنا رأي الوزير سامح فهمى ليس رداً علينا بل للرد علي مستنداتنا الدامغة التى نشرناها بدون حسابات أو مواءمات أو توازُنات أو تنازُلات ، تقبلنا رأي الوزير سامح فهمى وتوكلنا علي الله وبسرعة تم تحديد الميعاد فى عقر دار السادة المسئولين حيث مقر وزارة البترول بمدينة نصر
.. فى الميعاد المُحدد ، كُنا أمام باب وزارة البترول ، وبصراحة لم نتوقع المشهد الذى رأيناه .. لكن ما هو المشهد الذى رأيناه ؟ ماذا حدث ؟ .. المشهد الذى حدث مُلخصه كالآتى دون زيادة أو نقصان وبكل تفاصيله الدقيقة هو ( رجال الأمن إستقبلونا من علي باب الوزارة .. رجال الأمن يتهامسون فيما بينهم ويقولوا فى تليفونات اللاسلكي "وصلوا يا فندم ، أيوا يا فندم وصلوا ، هُما الإثنين يا فندم " .. هات الأسانسير .. ماحدش يدخل .. وصلنا صالون مكتب الوزير .. إستقبلنا المهندس هانى ضاحى بإبتسامته المعهودة وقال : أهلاً بكم يا شباب يا غاليين .. "سمير عازر" يرتدى بدلة كُحلي ويمسك فى يده ٢٤ دوسية ويضعهم على ترابيزة زرقاء فى وسط القاعة .. "المهندس طارق الحديدى" رَحَب بَـ "عثمان علام" وقال : إنتم عايزين تتحبسوا ولا إيه ؟ وتبادلنا الضحكات .. "المهندس محمود نظيم" وصل وهو بينهج وعلي ما يبدو كان دائم التواصل مع الوزير تليفونياً لإبلاغه بوصولنا .. رجل يبدو عليه ملامح جادة ودخل علينا وهو يرتدى بدلة شيك وبارفان فواح إمتلئت به جدران القاعة وصافح عثمان علام وصافحني ونظر لي نظرة ثاقبة فإستدار عثمان علام وقال لي : دا "المهندس أسامه كمال" رئيس الشركة القابضة للبتروكيمياويات .. "المهندس محمد شعيب" ظن أنه جاء متأخراً وإعتذر لكن "المهندس هانى ضاحي" قال له : إحنا لسه مابدأناش المواجهة أصلاً .. بهدوءه المعهود جلس "الراحل العظيم وفيق زغلول" بيننا وتبادل السلامات والتحيات وهز رأسه كدليل علي لمسة عتاب لنا علي ما نشرناه .. ترمومتر الوزارة وقتها كان "يحيي الروبي" ظهرت عليه علامات الجِدِية والصرامة لكنها لم تنفع معنا فقام بتحويلها إلى إبتسامات خافتة لكنها لم تُخف نظراته الحادة .. "المهندس شريف إسماعيل" دخل وفى يده أكوام من الملفات وتَبِعه موظف تابع له كان يحمل ملفات أخرى ووضعها على ترابيزة الإجتماعات
.. ( ٥ ) ساعات كاملة ، قضيناها فى غرفة الإجتماعات الرئيسية بوزارة البترول مع الـ ( ١٠ ) قيادات الكبرى التى كانت تحكم وزارة البترول للرد علي حملتين صحفيتين قُمنا بنشرهما على مدار إسبوعين كاملين ، بصراحة كانت مشاعرنا واحدة ، فما بين السعادة برد الفعل على ما نشرناه ، والسعادة على حدث معنا والإستجابة لنا وكشف الحقائق كاملة أمامنا دون خوف أو مواربة أو دفن الرؤوس فى الرمال وإعتبار أن الوزارة وأعمالها وقراراتها ( كتاب مفتوح للجميع ) .. هذه هى السعادة الحقيقية بالعمل الصحفي الرزين الذي يراع فيه ميثاق الشرف الصحفي ويكون للصحفي قيمته ومكانته ودوره
.. كل ما ذكرته بمثابة "مُقدمة" لما أريد قوله من أن وزارة البترول فى السابق كانت عبارة عن ( كتاب مفتوح ) وليس لديها ما تُخفيه والآن أصبح كل شيء فيها مُجرد ( سُكتم بُكتُم ) أو ( هُس هُس ) ورفعوا شعار ( لا تتكلموا ) بل إخرسوا .. إصمتوا .. دعهم يكتبوا ولا تردوا عليهم
.. قد يظن البعض أن ما يحدث فى وزارة البترول هو "الهدوء" بعينه أو "الإستقرار" الذي نتمناه ، لكن هذه نظرية خاطئة ، فما يحدث فى وزارة البترول الآن ليس هدوءاً ولا إستقراراً بل الوصف الحقيقي لما يحدث فيها هو ( النار تحت الرماد ) ، الحقيقة التى لابد إن يعرفها العقلاء أن قيادات الوزارة إختفوا ولم يعد لهم أي دور يُذكر ، الوزير الجديد "كريم بدوى" غريب عن الوزارة وسيرته على كل لسان فى الوزارة وشركات الوزارة والكُل يقول عنه فى الجلسات الخاصة هامساً ( هذا الوزير ليس مِنا ، دخيلاً علينا ، لا يعرف شيئاً عن الشركات القابضة ولا يعرف أي شيء عن الخطط المستقبلية ) ، وعلي ما يبدو فإن هذا الوزير يستبعد رؤساء الشركات من قاموسه وإجتماعاته ، يُغرد منفرداً لكن عليه أن يعلم بأنه لا يُجيد التغريد لأن ذلك يستلزم منه أن يكون مايسترو ومعه فرقته الماسية من رؤساء الشركات الذين عاصروا القادة العظام وتعلموا علي أيديهم وأصبحوا مهنيين تكنوقراط وأبناء الدولة وهُم علي أتم الإستعداد لخدمتها فى كل وقتٍ وحين ، أين مساعدى الوزير ؟ ، أين رؤساء الشركات القابضة الذين يستعين بهم الوزير ؟ ، أين الشباب الذين يقفون بجوار الوزير ؟ .. فالكل مُختفي ، إختفاءاً بقصد وبتعمُد ومع سبق الإصرار والترصد .. لكن علي ما يبدو فإننا علينا أن نسأل _ أولاً _ ( أين الوزير ؟ )
__
الإجابة : إنتظرونا فى الحلقة القادمة.