السبت 23 أغسطس 2025 الموافق 29 صفر 1447

ميدور… بين زيارتين: الأولى غضب والثانية إشادة

1651
المستقبل اليوم

ربما كانت زيارة المهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية، إلى شركة ميدور منذ أيام مختلفة عن سابقتها، ففي الزيارة الأولى، كان الوزير مشبعًا بأقصى درجات الحزم تجاه تطبيق معايير السلامة، ومتحفظاً للغاية، نعم كانت ميدور كلها فى الزيارة الأولى "كعهدها" تطبق إجراءات السلامة، لكن لسبب بسيط، غضب الوزير ، وأستمر الحال حتى جاء تعيين الدكتور عمرو لطفي رئيسًا للشركة…لكن وقبل سرد المقال والمقارنة بين الموقفين، هذه ليست مقارنة بين شخصين ولا قيادتين ولا زيارتين، بقدر ما هي قراءة متأنية وبصيرةً للحدث ذاته ، ولهذا فلا يمكن إغفال الدور الذي قام به المهندس صلاح جابر داخل ميدور ، فقد بذل جهوداً مضنية في التوسعات، وسلم المشروع يعمل بكامل طاقته ،بنسبة ‎%‎160 ونال إشادة من الجميع في ذلك الوقت، وربما هذا ما أتاح الفرصة للدكتور عمرو لطفي أن يعمل باريحية ويبدأ فى ترتيب البيت، وينظر إلى ملفات كان يصعب على غيره النظر إليها، فقد كان لديهم ملف التوسعات مستحوذاً على جُل وقتهم، وهذا ما يعترف به عمرو لطفي ، عندما يقول : لقد اتيت لاكمل ما بدأه الأخرون.

لكن الزيارتين كانتا لرجل واحد،وهو الوزير، و يمكننا أن نقرأ الفارق بين بينهما من عدةزوايا:

1.الزيارة الأولى جرى إعدادها من منظور واحد فقط، حيث كان شخص بعينه من خارج ميدور هو المتحكم في صياغة كل التفاصيل من الألف إلى الياء، وهو ما جلب الهم للمهندس صلاح جابر، وربما ظلمه، وهذا لا ينقصه حقه ، بدليل أنه تولى رئاسة شركة أخرى.

2.القيادات وقتها لم تكن قد استوعبت بعد فكر الوزير القادم من تجربة عالمية، ولم يحدث لها التحول المطلوب لاستيعاب اختلاف العهود بين وزير قضى تسع سنوات في منصبه وآخر جاء من مدرسة مختلفة تمامًا، ناهيك عن وحود بعض الأشخاص بجوار الوزير ، لم يوصلوا الصورة كما ينبغي.

3.الزيارة الأخيرة كانت نتاج آراء ورؤى متعددة، فلم يعد المشهد محكومًا بوجهة نظر واحدة، والتي كانت من خارج ميدور، بل بتنسيق أوسع وأكثر نضجًا، وهو ما انعكس إيجابًا على الزيارة وغيرها من الجولات اللاحقة، فقد شارك المكتب الفني ومكتب الوزيروالمكتب الاعلامي وكل قيادات الوزارة في اعداد الزيارة ، وهو ما يؤكد على ان الاراء كلما تعددت خرجت النتائج جيدة.

4.لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال طبيعة الشخصيات، فالمهندس صلاح جابر له طريقة في الإدارة والتعبير، وهي طرق ناجحة بلا شك، وقد اثبتت التجربة ذلك، بينماعمرو لطفي يحمل ذات السمات القيادية لكن بأسلوب مغاير ورؤية مختلفة.

5.والأهم من كل ذلك هو قدرة الوزير على استيعاب ثقافة القطاع والعاملين فيه، بعداكثر من عام ، وإدراكه أن لكل مجتمع خصائصه، وأن ما يصلح في الخارج لا يصلح بالضرورة في الداخل، وهنا يكمن سر نجاحه في كسب رضا مختلف الأطياف والتوجهات والأعمار داخل قطاع البترول، ولا نغفل سماعه لأصوات متعددة بجانبه ، عكس سماع الصوت الواحد .

ومن حُسن الطالع أن الزيارة الأخيرة جاءت بعد مرور نحو 130 يومًا من تولي الدكتورعمرو لطفي رئاسة ميدور، وهي فترة يمكن اعتبارها بمثابة كشف حساب غير معلن قدمه الرجل لوزيره، وإن كان قد ظهر للعاملين بوضوح، فقد أثبت خلالها أنه ليس مجرد مسؤول إداري، بل عقل واعٍ أعاد توجيه بوصلة الشركة نحو المسار الصحيح، بعد سنوات من التحديات .

وبالفعل نجح عمرو لطفي في فتح ملفات أخرى، وأدارها بروح الجراح الحريص، وأبرزها ملف الحماية المدنية، حيث حصلت الشركة على درجة “مستوفى” لأمن الحريق،واضعًا خطة استراتيجية للانتهاء الكامل من المشروع بحلول عام 2028. وهو إنجاز لم يكن شكليًا، بل نابعًا من إدراك عميق لأولوية السلامة، وهو ما يتسق مع ما يصر عليه الوزير دومًا.

وفي ملف البيئة، تجاوز لطفي مرحلة الشعارات، وبدأ في إنشاء وحدة متطورة لمعالجة الصرف الصناعي، بطاقة 8 آلاف متر مكعب يوميًا، مطابقة لأعلى المواصفات البيئية. وهو توجه يعكس رؤية مستدامة تسعى لتقليل الأثر البيئي وتعظيم الاستفادة من الموارد، ليصبح ميدور نموذجًا يُحتذى به.

كما أطلق عملية إصلاح إداري وفني شاملة، شملت مراجعة القرارات، إعادة تنظيم خطوط التواصل، وتصحيح آليات العمل، مستندًا إلى كوادر الشركة وخبراتها دون إقصاء.وحافظ على تشاور مفتوح مع الوزارة والهيئة العامة للبترول، ما عزز الثقة وسهّلالإجراءات، وأسهم في استقرار بيئة العمل.

ومنذ توليه المسؤولية، رفض عمرو لطفي الاكتفاء بالمكتب، فنزل إلى الميدان وزار الإدارات المختلفة: السلامة، الإنتاج، النقل، الصيانة، التفتيش، العلاقات العامة،والميناء. وتابع شخصيًا عمليات الشحن وتوفير المنتجات لهيئة البترول، ونسّق مع الجهات المختصة للإفراج السريع عن نحو 800 شحنة سنويًا. كما عقد اجتماعات يومية مع فرق العمل، لتأسيس ثقافة تقوم على الشفافية والانضباط والتواصل المباشر.

وفي إطار رؤية وزارة البترول، بدأ لطفي في تنفيذ المحاور الستة لتطوير القطاع، من خلال قرارات حاسمة ومبادرات مدروسة، سعيًا لتحويل التوجهات الوزارية إلى واقع ملموس.كما وضع رؤية تكاملية لإدارة ميدور باعتبارها كيانًا يضم شركات تابعة مثل ميدتاب، ميداليك، ميدووتر، وإيبروم، بما يضمن التنسيق والكفاءة والفاعلية.

من هنا يمكن أن نقول انها زيارة مختلفة، بروح مختلفة ، كما نقول انها كانت زيارة مبهجة، لدرجة أن الوزير لم يكتفِ بالإشادة بالشركة، بل وعد بزيارات متكررة. مع انه هونفس الوزير الذي خرج يومًا من ميدور غاضبًا وكأنه لن يعود إليها مجددًا، وللحقيقة لم يكن غضبه فى السابق نتاج أحد داخل ميدور، لكنه كان نتاج أشخاص كانوا قريبين منه ،لم يصيغوا الزيارة بالشكل الذي كان يرضي الوزير، وكانت النتيجة أن من دفع الثمن هو رئيس الشركة.

✍️ #سقراط




تم نسخ الرابط